دورات ودروس وفتاوى خمس دقائق مع الصلاة

مكنون

عفا الله عنه وجميع المؤمنين
طاقم الإدارة
حوالي 8 دروس واستراحة على قناة الشيخ على اليوتيوب

تفريغ الدرس الأول
كتاب الصلاة
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
1-تعريف الصلاة لغة : هي الدعاء بالخير ، وفي القرآن قوله سبحانه وتعالى في سورة براءة ، )خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( [1] ، (وصل عليهم ) أي : ادع لهم .
وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ : ” كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلاَنٍ ، فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ” [2].
أما تعريف الصلاة شرعاً : فهي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم . سميت صلاة لاشتمالها على المعنى اللغوي وهو الدعاء بالخير .
2-فرضت الصلاة حينما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة ، فرضت في السماء السابعة ، فرضت مباشرة دون واسطة ، يعني لم يلقها جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما تلقاها النبي صلى الله عليه وسلم من الله مباشرة . كما جاء في حديث الإسراء والمعراج الطويل ، وفيه : ” فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً ، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ : مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ ؟ قُلْتُ : فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً . قَالَ : فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ” . . فجعل صلى الله عليه وسلم يراجع ربه عز وجل حتى جعلها خمساً.. وفي آخر الحديث فَقَالَ هِيَ خَمْسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ “[3] .
وفي هذا دليل على أن الله تعالى يحبها ، ويريدنا أن ننشغل بالصلاة ، لكن خفف الله تعالى علينا لعلمه أننا سننشغل بطلب الرزق وبأمور أخرى ففرضها الله خمس صلوات ، لكن قال جل جلاله : “هي خمس وهي خمسون” كما في الصحيح ، يعني أجرها ما زال أجر خمسين صلاة لمن حافظ عليها وأداها الأداء الصحيح .
3-الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام ، من جحدها ، أي أنكر وجوبها فقد كفر ، ما فيه خلاف بين العلماء . لكن هناك من الناس من لا يصلي تكاسلاً ، فهناك من العلماء من قال بكفر تارك الصلاة تكاسلاً ، والأدلة تدل على ذلك ، فعن عبد الله بن شقيق العقيلي – وهو تابعي- : قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة [4].
وهناك من قال بعدم كفره ، ووردت حول ذلك محاورة بين الإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهم الله .
لكن التهاون في الصلاة أمر عظيم ، أمر أعظم مما يتصوره الإنسان ، فالصلاة شيء الله يحبه ، فرضه وأوحاه إلى نبيّه في السماء السابعة ، مباشرة دون واسطة ، وأراد أن تنشغل كل أوقاتنا به ، ثم خففها سبحانه وتعالى وأبقى الأجر ، ثم يأتي من يتكاسل في هذا الأمر ، أمر الصلاة ؟ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ ؛ بَلْ أَكْثَرُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ لَا يَكُونُونَ مُحَافِظِينَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَلَا هُمْ تَارِكُوهَا بِالْجُمْلَةِ بَلْ يُصَلُّونَ أَحْيَانًا وَيَدَعُونَ أَحْيَانًا فَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةُ فِي الْمَوَارِيثِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ إذَا جَرَتْ عَلَى الْمُنَافِقِ الْمَحْضِ – كَابْنِ أبي وَأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ – فَلَأَنْ تَجْرِيَ عَلَى هَؤُلاءِ أَوْلَى وَأَحْرَى [5].
[1] سورة براءة ، آية 103)
[2] صحيح البخاري ، برقم (1497) ، صحيح مسلم ، برقم (2544) .
[3] صحيح البخاري ، برقم (349) ، صحيح مسلم ، برقم (433).
[4] رواه الترمذي ، برقم (2622) ، وقال الترمذي بعده : سمعت أبا مصعب المدني يقول من قال الإيمان قول يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه . وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
[5] ابن تيمية : مجموع الفتاوى (ج7/ص617) .

تفريغ الدرس الثاني
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَوَقْتُ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ وَوَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ وَوَقْتُ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ . رواه مسلم .
وله من حديث بريدة في العصر: “والشمس بيضاء نقية”، ومن حديث أبي موسى: “والشمس مرتفعة”.
1-زوال الشمس أول وقت الظهر ، إذ لم ينقل أن صلاها قبله ، وهذا الذي استقر عليه الإجماع [1].
2-قوله (ما لم يحضر وقت العصر) ليس هناك وقت مشترك يستطيع الإنسان أن يصلي فيه الظهر في وقتها ، والعصر في وقتها ، وإن جاء ما يشعر بذلك من حديث جبريل عليه السلام عند في الصحيح وغيره وفي تراجم البحاري (باب تأخير الظهر إلى العصر ) قال ابنالمنير ، أحد شراح الحديث : أشار البخاري إلى إثبات القول باشتراك الوقتين ، لكنه لم يصرح بذلك ، كعادته في الأمور المحتملة ، إلاّ أن العلماء أجابوا عن الاشتراك ، والخلاصة أنه إذا خرج وقت الظهر عند مصير ظل الشيء كطوله دخل وقت العصر [2].
3-لصلاة العصر وقت اختيار ، ووقت ضرورة : فوقت الاختيار هو : ما لم تصفر الشمس ، ووقت الضرورة : مالم تغرب الشمس ، ففي حديث عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْفَجْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ » [3].
لكن ورد ما يدل على تحريم تعمد تأخير صلاة العصر إلى وقت الضرورة ، في حديث : ” لاَ تَحَيَّنُوا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ ، وَلاَ غُرُوبَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، أَوِ الشَّيْطَانِ” [4].
وقال أبو داود : حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَامَ يُصَلِّى الْعَصْرَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلاَةِ أَوْ ذَكَرَهَا فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «تِلْكَ صَلاَةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلاَةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلاَةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ فَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ أَوْ عَلَى قَرْنَىِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً»[5].
4-هدي النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في أول وقتها ، وقد جاء في الصحيح حديث ابن مسعود وسوف يأتي [6].
5-المراد بالشفق هو الخط الأحمر الذي يتبع الشمس ، فما دام الحمرة باقية فإن وقت المغرب باق .
6-هل لصلاة العشاء وقتان مثل صلاة العصر ؟
القول الأول : نعم ، وهو قول الجمهور ، ففي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ” فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ [7] .
قال النووي رحمه الله : معناها وقت لأدائها اختياراً ، وأما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع الفجر . عزا ابن حجر رحمه الله هذا القول للجمهور ، وقال : دليلهم حديث أبي قتادة رضي الله عنه في صحيح مسلم أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِى النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاَةَ حَتَّى يَجِىءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ الأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا [8]. فدل على أن وقت كل صلاة ينتهي بدخول وقت الأخرى إلاّ الصبح فإن وقتها مخصوص بالإجماع ، يعني نيتهي وقت الصبح بطلوع الشمس أداءً ، ولا يمتد إلى وقت الظهر كبقية الصلوات [9].
القول الثاني : ينتهي وقتها عند منتصف الليل ، وأصحاب هذا القول يجيبون بأنّ دليل أوقات الصلوات هو قوله تعالى : أ)َقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا( [10].
دلوك الشمس : يعني زوالها. غسق الليل : يعني ظلمته ، أي انتهاء ظلمته ، عند منتصف الليل ، لأن هذا أبعد ما تكون الشمس عن المصلي .
وقرآن الفجر: أي صلاة الفجر ، فالقائلون بعدم اتصال صلاة العشاء بصلاة الفجر يستدلون بهذه الآية ، ويقولون : ما بين نصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقت لصلاة العشاء ولا الفجر ، ولهذا جاء وقت الفجر منفصلاً بذكر خاص [11].
فالأحوط أن لا يؤخر المرء صلاة العشاء عن نصف الليل .
الحنابلة قالوا : يحرم تأخير العشاء إلى ما بعد نصف الليل ، ولكن من صلاها بعد منتصف الليل يكون صلاها أداء وليس قضاء لكن يأثم .
7-فوائد التوقيت :
أولا : أنّ الإنسان لو صلى قبل دخول وقت الصلاة لم تصح صلاته .
ثانيا : أنه لو صلى بعد الوقت فاحد أمرين :
أ- إما أن يكون لعذر كنوم أو نسيان ؛ فلا شيء عليه ؛ لحديث أبي قتادة السابق ، وفيه : أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِى النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاَةَ حَتَّى يَجِىءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ الأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا . وهذا يشمل النوم والنسيان .
وله أن ينوي جمع الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء للحاجة ، أو لظرف كما سوف يأتي ، فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بلا سفر ولا مطر ، لكن لا يكثر من ذلك ، فالنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مرة واحدة فقط ، قال ابن عباس رضي الله عنه : كَىْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ [12].
ب-أما إن كان متعمداً لغير عذر ، فقيل صلاته صحيحة ويأثم . والقول الآخر الذي صصحه علماؤنا أن صلاته غير صحيحة ويأثم . ومن العلماء من قال : لا يصلي حينئد ، لحديث : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) . قال البخاري : باب إِذَا اجْتَهَدَ الْعَامِلُ ، أَوِ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ خِلاَفَ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ. لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهْوَ رَدٌّ [13].
لكن الأحوط أن يقال : يصلي ، والله الكريم . فلا يقنط من رحمة الله .
8-السنة تأتي مفصلة لمجمل القرآن، كما هو ظاهر فإن آية سورة الإسراء (أقم الصلاة) فصلتها السنة .
9-أن أوقات الصلاة يلحظ فيها التيسير من حيث أن الله جعل أوقات الصلاة واسعة أو موسعة .
10-نقل الشيخ البسام رحمه الله قرار هيئة كبار العلماء في البلاد التي يطول فيها الشتاء أو الصيف :
من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلاّ أن نهارها يطول جدا في الصيف ويقصر في الشتاء ، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً .
ب – ومن كان في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفا ولا تطلع شتاء ، أو في بلاد يستمر نهارها ستة أشهر ، ويستمر ليلها ستة أشهر ، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في 24 ساعة ، وأن يقدروا لها أوقاتها ، ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب البلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات الخمس المفروضة بعضها عن بعض ، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال فقال : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِى الأَرْضِ قَالَ « أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ قَالَ « لاَ ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ [14].
[1] – انظر فتح الباري (ج2/ص30) – دار السلام – الرياض – دار الفيحاء – دمشق – الطبعة الأولى – 1997م .
[2] – حديث صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري برقم (521) ، وانظر ترجمة البخاري في فتح الباري (ج2/ص32) وهي ترجمة للحديث رقم (543) .
[3] – صحيح مسلم ، برقم (1408) .
[4] صحيح البخاري ، برقم (3273) ، من حديث ابن عمر ، ومثله في صحيح في مسلم ، برقم (1967) من حديث عمر بن عبسة
[5] سنن أبي داود ، برقم (413) .
[6] صحيح البخاري ، برقم (527) .
[7] رواه مسلم ، برقم (1416) ،
[8] صحيح مسلم ، برقم (1594)
[9] نقل الإجماع ابن حجر في فتح الباري ، أنظر القتخ (ج2/ص69) .
[10] سورة الإسراء ، آية 78 .
[11] انظر ابن عثيمين : فتح ذي الجلال والإكرام ، بشرح بقلوغ المرام (ج2/ص25)
[12] صحيح مسلم ، برقم (1667) ، وهو في صحيح البخاري من حديث ابن عباس كذلك ، دون قول ابن عباس رضي الله عنها (أراد أن لا يحرج أمته) .
[13] ذكره البخاري تعليقا ، بعد حديث رقم (7349) ، ورواه مسلم ، برقم (4590) ، وانظر ابن عثيمين : فتح ذي الجلال والإكرام (ج2/ص27) .
[14] رواه مسلم ، برقم (7560) ، وانظر عبد الله بن عبد الرحمن البسام : توضيح الأحكام من بلوغ المرام (ج1/ص374) ، ورقم قرار هيئة كبار العلماء (61) في 12/4/1398هـ.

تفريغ الدرس الثالث
عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا ، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِئَةِ. متفق عليه [[1]].
رحله : أي مسكنه .
حية : أي بيضاء نقية .
ينفتل : أي ينصرف .
*
وعندهما من حديث جابر : وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَوْا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا ، أَوْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ [[2]].
الغلس : ظلمة آخر الليل .
*
ولمسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه : فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ وَالنَّاسُ لاَ يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا [[3]].
وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال : كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ .متفق عليه[[4]].
*
1- كل هذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصلوات في أول وقتها ، وأن الأفضل هو الصلاة في أول وقتها ، وسوف يأتي في ذلك حديث ابن مسعود إن شاء الله .
فالعصر في حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه ينصرف منها النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع الراجع إلى أهله في أقصى المدينة ، والشمس حية ، وقد صح عن أحد التابعين قوله : حياتها أن تجد حرها [[5]] .
والمغرب في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف منها والضوء باق . والفجر في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بغلس ، أي : في ظلمة آخر الليل .
إلاّ صلاة العشاء ، وسوف يأتي مزيد تفصيل في حديث عائشة رضي الله عنها .
2- وهنا لفتة تربوية في قول أبي برزة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (يكره النوم قبلها) أي قبل صلاة العشاء. وهي أن الإنسان إذا نام قبل صلاة العشاء فقد يصحو ويصلي نعساناً لا يدري ما يقول ، وقد قال الله تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ( ، فينبغي أن نعلم ما نقوله في صلاتنا ونعيه ، والوعي يعني الفهم والتدبر ، وفي حديث تلقي النبي صلى الله عليه وسلم للوحي : الذي ترويه عائشة رضي الله عنها ” قالت : سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال كيف يأتيك الوحي يا نبي الله ؟ قال يأتيني أحيانا له صلصلة كصلصلة الجرس فينفصم عني وقد وعيت” [[6]] . قال ابن الأثير : وَعَيْتُ الحديث أعِيه وَعْياً فأنا واعٍ إذا حَفِظْتَه وفِهِمْتَه [[7]]. ففي هذا لفتة إلى أن الإنسان ينبغي أن يكون قلبه حاضراً في الصلاة يعي ويتدبر ما يقول من قرآن أو تسبيح أو ذكر ، ولا تكون صلاته كصلاة السكران الذي لا يعي ما يقول .
3- ثم إن العلماء نظروا في كراهيته صلى الله عليه وسلم للنوم قبل العشاء والحديث بعدها هل هذه الكراهية معللة أو غير معللة ، لأنه إذا فهمنا العلة عرفنا أنه إذا انتفت العلة انتفت الكراهة .
فقالوا : الكراهة معللة ، وهي بالنسبة للنوم قبلها حتى يقبل المصلي على صلاته ، ثم قالوا : إذا كان الإنسان مرهقا، ولو نام بين المغرب والعشاء ولو ساعة أدى ذلك إلى أن يقبل على صلاته ، فهنا النوم لا يكره .
والدليل على ذلك : الحديث الآخر عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَه [[8]].
وبالنسبة للحديث بعدها كذلك ، حديث أو سهر :
الحديث أو الجلوس مباح ما ينفع الأمة ولا يؤخر عن صلاة الفجر
أ- فالحديث المباح هو الذي كان يكرهه صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العشاء ، لأنه سيكون سببا في التأخر عن صلاة الفجر ، أو أن يصليها الإنسان نعساناً ، أو يعجز عن قيام الليل ، إذ أنه ينبغي أن يكون للمسلم ورده من قيام الليل .
ب-أما الحديث المحرم كمجالس الغيبة والنميمة والمسلسلات والأفلام الفاتنة فهذا محرم أصلاً ، فيصبح هنا أشد تحريماً . ثم إن النوم أول الليل أفضل للجسم .
ج-أما إذا كان السهر في مسائل العلم وغيره مما ينفع الأمة ، ولا يخشى المرء على صلاة الفجر ، فلا باس ، بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ : صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَصَلاَةِ الضُّحَى ، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ [[9]].
يعني أن يوتر قبل أن ينام ، وذلك لأن أبا هريرة رضي الله عنه كان يسهر بعد العشاء يحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
[1] – البخاري (547) ، ومسلم (647) واللفظ للبخاري .
[2] البخاري (560) ، مسلم (646) .
[3] صحيح مسلم 614-(178) .
[4] البخاري (559) ، مسلم (637)
[5] انظز : بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، تحقيق سمير بن أمين الزهيري(ص56) – مكتبة المعارف – الرياض –الطعبة الأولى – 2012م.
[6] – صحيح البخاري (2) .
[7] – ابن الأثير : النهاية في غريب الحديث (ج5/ص456) – المكتبة العلمية – بيروت – 1979 .
[8] صحيح البخاري (212) ، صحيح مسلم (1871) ، وانظر : ابن عثيمين : فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (ج2/ص42) .
[9] صحيح البخاري (1178) .

تفريغ الدرس الرابع
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: «لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» . رواه مسلم [1].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ y عقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» . متفق عليه [2].
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ أَوْ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان [3].
1-الحديث الأول هنا ،حديث عائشة رضي الله عنها رواه البخاري كذلك لكن دون قوله : ” إنه لوقتها ” الخ . وترجم البخاري لهذا الحديث بقوله (باب فضل العشاء) ، وعلق ابن حجر بقوله : وكأنه مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم : (ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم ) والذي هو في رواية البخاري . وفي نفس الباب روى البخاري حديث أبى موسى y ، قريب من حديث عائشة، وفيه قال أبو موسى y: فرجعنا ففرحنا بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن حجر : فعلى هذا في الترجمة حذف تقديره : باب فضل انتظار الصلاة [4].
وفي رواية أبي سعيد الخدري عند الإمام أحمد وغيره : ” وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ،ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل .
وهذا يؤكد ما سبق في حديث أبي برزة رضي الله عنه من فضل النوم بعد صلاة العشاء ، وكراهة الحديث بعدها.
2- وقت صلاة العشاء من غياب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل ، فأغلب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الوقت ، كما جاء في حديث جابر السابق (إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطأوا أخر . ففي تأخيره لا يتجاوز ثلث الليل غالباً ، لكن ذات مرة أخر الصلاة إلى نصف الليل كما في حديث عائشة وأبي موسى وأبي سعيد رضي الله عنهم . وجاء في راية النسائي من حديث عائشة رضي الله عنهاا بصيغة الأمر : صلوها ما بين غياب الشفق إلى ثلث الليل .
وفي صحيح البخاري : وكان ابن عمر لا يبالي قدمها أو أخرها إذا كان لا يخشى أن يغلبه النوم عن وقتها .
وروى قصة تأخيره صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء ابن عمر رضي الله عنه ، وفيه : حتى رقدنا في المسجد ، ورواها ابن عباس رضي الله عنه ، وفيها : حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا. رواها البخاري في (باب النوم قبل العشاء لمن غلب).
3- أعتم : دخل في العتمة وهي ظلمة آخر ثلث الليل ، أو اشتداد ظلمة الليل .
والعشاء بكسر العين صلاة العشاء ، أما بفتحها فطعام العشاء ، وأما العشي فهو أخر العصر ، أو العصر .
4- الحديث الأول والثاني فيهما رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأمة ، الذي قال عنه ربه Y ) بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ( [5] . حيث يطلب التخفيف على أمته والتيسير ، فيقدم صلاة العشاء إلى أول وقتها أو قريب من ذلك ، مراعيا أن لا يشق على أمته ، ويأمر الأمة أذا اشتد الحر أن يبردوا بصلاة الظهر ، أمر استحباب ، وقد يكون الإبراد واجبا إذا شق على الناس الصلاة في أول الوقت من شد الحر ،. ومن هنا جاءت قاعدة (المشقة تجلب التيسير) .
5- وأن صلاة آخر الليل أفضل من صلاة أوله لذلك استحب النبي صلى الله عليه وسلم تأخيرها ، وإنما قدمها خشية المشقة على الناس .
6- وفي الحديث الثاني تحري الخشوع في الصلاة والحرص عليه ولو أدى ذلك إلى تأخير الظهر إلى آخر وقتها ، فإنّ الصلاة في شدة الحر قد يذهب الخشوع خاصة لو كانت الصلاة في الفضاء ، أو في شدة الرطوبة وجريان العرق .
7- لا منافاة بين العلة الشرعية وهي قوله صلى الله عليه وسلم (فإن شدة الحر من فيح جهنم ) وبين العلة الطبيعية وهي أن سبب الحر تعامد الشمس مع الارض الحارة أو اقترابها من التعامد . وفيح جهنم من الغيبيات التي يجب أن نؤمن بها .
قد قال الله تعالى )إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ( وفي حديث أبي هريرة عندالبخاري : «الشَّمْسُ وَالقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ» زاد البزار زغيره (في النار) . فإن صحت هذه الزيادة عند البزار ، فقد فهم منها العلماء أن ذلك ليراهما من عبدهما ، تفسيراً لقوله تعالى)إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ( فإن صحت رواية البزار فقال ابن حجر : تبكيتاً لمن عبدهما وليس تعذيباً لهما . وقد يقرب ذلك فهم كون شدة الحر من فيح جهنم إن صحت رواية البزار ، وإن لم تصح فكلام الرسول صلى الله عليه وسلم أن شدة الحر من فيح جهنم حق لا ريب فيه ، وهو من الغيبيات التي نؤمن بها ، ولا نعلم كيفيتها [6].
5- استحباب إطالة القراءة في صلاة الفجر لقوله صلى الله عليه وسلم (أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم ) ، فالراجح أن معناها الحث على إطالة القرآن في صلاة الفجر ، كما قال تعالى )وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا( [7] , وسبق في حديث أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها بالستين إلى المائة .
2- في قوله صلى الله عليه وسلم (أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم ) دلالة على نعم الله على عبادة وتحبيبه لهم طاعته ، والعمل الصالح ، فكلما عملت عبادة آجرك عليها ، وكلما أحسنت فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ، وقال : )هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ( [8].
[1] صحيح مسلم ، برقم (219 – 368)
[2] صحيح البخاري ، برقم (536) ، صحيح مسلم ، برقم (180- 615) .
[3]ذكره ابن حجر في الفتح عند شرح الحديث رقم (575) ، وقال : صححه غير واحد .
[4] انظر صحيح البخاري ، برقم (566) ، والحديث رقم (567) .[4]
[5] سورة التوبة ، آية (128) .
[6] انظر صحيح البخاري برقم (3200) ، وشرح ابن حجر للحديث، فتح الباري (ج6/ص360) ، وقد صحح الزيادة الالباني في السلسلة الصحيحة .
[7] سورة الإسراء آية (78)
[8] سورة الرحمن ، آية (60) .
 
التعديل الأخير:
تفريغ الدرس الخامس
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ» متفق عليه [1] .
ولمسلم عن عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله تعالى عنها نحوه ، وقال: «سَجْدَةً » بدل ركعة ،ثم قال ، وَالسَّجْدَةُ إِنَّمَا هِيَ الرَّكْعَةُ [2] .
1-فائدة في مصطلفح الحديث : قوله ( والسجدة إنما هي الركعة ) يحتمل أنه مدرج ، أو شاذ ، والشاذ هو ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه ، أما المدرج فو ما غير سياق إسناد أو أدخل في متنه ما ليس منه بلا فصل ، وهنا لم ترد جملة ( والسجدة إنما هي الركعة) إلاّ من رواية حرملة بن يحيى ، وقد روى الحديث جمع غيره عند مسلم وغيره [3].
2- ما معنى أدرك الصلاة .
هناك نوعان من إدراك الصلاة : إدراك الصلاة في وقتها ، وإدراك صلاة الجماعة .
فالنسبة لأدراك الصلاة في وتها فالجمهور على أن معنى الحديث : من أدرك ركعة في الوقت فليتم صلاته وتحسب له أداء جميعها ، وذلك من تفضل الله تعالى على عبده . فيكون أدرك الصلاة في وقتها وصلاها أداء لا قضاء ،
وهذا يصدق على الفريضة ، فيدركها جميعها ؛ قيامها وركوعها وسجودها .
أما النفل المطلق فلا ، وذلك لحديث عقبة بن عامر الآتي وفيه النهي عن الصلاة في وقت طلوع الشمس ووقت غروبها ، وكذا حديث أبي سعيد (لا صلاة بعد الصبح ) ، (ولا صلاة بعد العصر ) كما سوف يأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى .
القول الثاني : وقال أبو حنيفة رحمه الله : من طلعت عليه الشمس وهو يصلي الصبح بطلت صلاته ، واستدل بحديث عقبة وغيره التي تنهى عن الصلاة وقت بزوغ الشمس ، ووقت غروبها .
الراجح قول الجمهور ، قال ابن حجر : والجمع بين الحديثين ممكن ، بأن يحمل أحاديث النهي على ما لاسبب له من النوافل ،
3-من أدرك أقل من ركعة ؟
هنا ينظر ، فإن كان له عذر من نوم أو إفاقة من إغماء أو نحو ذلك فليصل ولو طلت الشمس وهو يستعد للصلاة بالوضوء ونحوه ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ» ، قَالَ: فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ [4].
أما من لا عذر له فليس له أن يؤخر الصلاة إلى أن يبقى من وقتها قدر ركعة ، وقد مر حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» [5].
4- عد العلماء في مسائل هذا الحديث أمورا :
أ-امرأة أدركت من الصلاة مقدار ركعة ثم حاضت ،فهذه تقضي الصلاة إذا طهر من الحيض.
ب-رجل أسلم وقد أدرك من الصلاة قد ركعة ، فهذا وجبت عليه هذه الصلاة التي أدرك من وقتها مقدار ركعة .
ج- ومثله صبي بلغ وأدرك من الصلاة قدر ركعة .
5- هذا الحديث يصدق أيضاً على إدراك صلاة الجماعة ، فمن أدرك من صلاة الجماعة ركعة فقد أدرك صلاة الجماعة ، والركعة تدرك في صلاة الجماعة بإدراك الركوع ، فمن أدرك الإمام في ركوعه وتمكن من أن يركع معه ويضع يديه على ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك تلك الركعة، وهل العبرة بالصوت أو بمشاهدة الإمام ؟
الجواب : العبرة بانتقاله لا بصوته إن كنت تشاهده ، وإلاّ بفصوته وقوله سمع الله لمن حمده . فالمراد الركعة بركوعها وسجودها ، والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها ( سجدة ) , وفي المسألة خلاف لكن هذا هو الراجح والله أعلم .
5- ومثل ذلك صلاة الجمعة، فمن لم يدرك الإمام في ركوع الركعة الثانية فإنه يصليها ظهرا ، لأنه لم يدرك الجمعة.
والدليل على أن الركعة تدرك مع الجماعة بإدراك الركوع مع الإمام حديث أبي بكرة y : أنه انتهى إلى النبي ص وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : زادك الله حرصاً ولا تعد . ولم يأمره بإكمال الركعة التي أدرك ركوعها . وفي المسألة خلاف ذكر عن الإمام البخاري ، واختلف النقل عن ابن خزيمة من الشافعية [6].
6- أما من أدرك أقل من ركعة في صلاة الجماعة مع الإمام فهذا إن لم يعلم جماعة أخرى قادمة فإنه يدخل مع الإمام فيكون أدرك الجماعة ولم يدرك الصلاة . فيقوم ليأتي بالصلاة كاملة بعد سلام الإمام . وإن علم أن ثمة جماعة قادمة كأن يرى أناس يتوضئون ، فقيل الأفضل أن يدخل مع الإمام الجماعة الأولى ، وقيل الأفضل انتظار الجماعة الثانية .
7- الذي لم يتمكن إدراك صلاة الجماعة لعذر كسفر أو مرض ، فهذا ورد فيه حديث : وهو قوله صلى الله عليه وسلم ” إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقييما صحيحا “. رواه البخاري [7].
8- البخاري رحمه الله قال بعده : (باب من أدرك من الصلاة ركعة ) . ساق فيه حديث أبي هريرة ر أن رسول الله y قال : ” من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ” . قال ابن حجر رحمه الله : والظاهر أن هذا أعم من حديث الباب . يعني أن جميع الصلوات تدرك بإدراك مقدار ركعة من وقتها ، لكن صلاة الصبح وصلاة العصر علامة خروج الوقت فيها ظاهرة وهو طلوع الشمس وغروبها ، أما الظهر فخروج وقتها بمصير ظل الشيء مثله والعشاء بغياب الشفق الأحمر فقد يخفى على كثير من الناس أنه أدرك مقدار ركعة أو أقل . والله أعلم [8].
[1] صحيح البخاري ، برقم (579) ، صحيح مسلم ، برقم( 163 – 608) .
[2] صحيح مسلم (164 – (609)) .
[3] انظر بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، تحقيق سمير الزهيري (ص58) .
[4] صحيح مسلم ، برقم (310 – (680) .
[5] صحيح مسلم ، برقم (195 – (622) .
[6] انظر البخاري (783) ، وشرحه من فتح الباري لان حجر رحمهم الله .
[7]البخاري (2996) .
[8] انظر صحيح البخاري ، برقم (580) ، ابن حرج : فتح الباري (ج2/ص76) ، ابن عثيمين : فتح ذي الجلال والإكرام (ج2/ص69) .

تفريغ الدرس السادس
عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» . متفق عليه . ولفظ مسلم : “لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ” [1].
وله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه : ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: «حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ » [2].
والحكم الثاني عند الشافعي رحمه الله تعالى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بسند ضعيف، وزاد : إلاّ يوم الجمعة، وكذا لأبي داود عن أبي قتادة نحوه [3].
*
1-قال النووي : أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها ، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها ، واختلفوا في النوافل التي لها سبب ؛ كصلاة تحية المسجد ، وسجود التلاوة ، والشكر ، وصلاة العيد ، والكسوف ، وصلاة الجنازة [4]. إذاً :
-لا إشكال في جواز الفريضة ، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضي الله عنه : ” مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ )وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي( [5]، سواء كانت مؤداة أو مقضية ، أداء أو قضاء
– النوافل التي لها سبب الصحيح أنها تجوز مثل ركعتي الطواف ، سنة الوضوء ، تحية المسجد ، صلاة الاستخارة ، إعادة الصلاة لحديث جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ، فَلَمَّا صَلَّى إِذَا رَجُلَانِ لَمْ يُصَلِّيَا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَدَعَا بِهِمَا فَجِئَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟» قَالَا: قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، فَقَالَ: «لَا تَفْعَلُوا، إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ، فَلْيُصَلِّ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ» [6]. ومثله حديث «مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟» [7].
2- حكى بعضهم الإجماع على جواز صلاة الجنازة في الأوقات المكروهة . الموسعة التي في حديث أبي سعيد ، وكلها إجماعات واتفاقات متعقبة لكن يمكن أن يقال أن هذا هو قول الجمهور [8].
3- في حديث عمرو بن عبسة عند مسلم سبب النهي عن الصلاة في الوقتين المذكورين ، (فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ) ، (فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ» [9].
4- الأوقات التي تكره فيها الصلاة خمسة : عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وبعد صلاة الصبح ، وبعد صلاة العصر ، وعند الاستواء . لكن الأوقات في حديث عقبة الكراهة فيها أشد حتى أن هناك من قال بالتحريم ، بخلاف الوقتين الأوسع بعد صلاة الصبح ، وبعد صلاة العصر
5- اختلف الصحابة في الصلاة في وقت النهي الموسع : كان عمر رضي الله عنه يضرب من يصلي بعد العصر ، وكان معاوية رضي الله عنه ينهى ويقول لمن رآه يصلي بعد العصر إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا» ، يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ [10] .
وكانت أم سلمة رضي الله عنها تثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى معها بعد العصر ركعتين وتقول : صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ العَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: «شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ». وعائشة رضي الله عنها تثبت أنه صلى الله عليه وسلم داوم عليها بعد ذلك لكن في بيته ، وتقول : مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ [11]. ومن هنا اختلف الصحابة y .
6- أما قبر الميت ودفنه فهي مثل صلاة الجنازة فيقبر الميت في الوقت الموسع ، إذا استطعنا أن نصلي عليه ندفنه قبل أن تشرق الشمس فخس ، وكذا قبل أن تميل الشمس للغروب .
وهل يجوز دفن الميت ليلاً ؟ الجواب : نعم .
الدليل : أن ذلك ثبت بالسنة ، المرأة التي كانت تقم المسجد دفنت ليلاً ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر قد دفن ليلا ، وكذا الني صلى الله عليه وسلم توفي يوم الأثنين ولم يدفن إلاً ليلة الأربعاء [12].
وماذا عن حديث : فَزَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ؟
الجواب : نقرأ الحديث كاملا : عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يُحَدِّثُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا، فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، وَقُبِرَ لَيْلًا، فَزَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ» [13].
7-أوقات أخرى يكره التنفل فيها : وقت إقامة الصلاة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَثَ بِهِ النَّاسُ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصُّبْحَ أَرْبَعًا، الصُّبْحَ أَرْبَعًا» [14]. ووقت صعود الإمام لخطبة الجمعة ، وهل يردد مع المؤذن ثم يصلي تحية المسجد لمن جاء والمؤذن يؤذن للخطبة ، أم يصلى ولو مع الأذان لينصت للخطبة ؟ قولان . ففي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه : دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: «أَصَلَّيْتَ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» [15].
وفي حال الصلاة المكتوبة جماعة لمن لم يصلها يعني يدخل مع الجماعة ولا يصلي وحدة ، ولا يصلون جماعتين .
[1] صحيح البخاري، برقم (586) ، صحيح مسلم ، برقم (288- (827) .
[2] صحيح مسلم ، برقم (293 – (831) .
[3] قال ابن حجر في فتح الباري (ج2/ص83) وفي سنده انقطاع ، وقد ذكر له البيهقي شواهد ضعيفة ، إذا اجتمعت قوي الخبر .
[4] انظر فتح الباري (ج2/ص78) .
[5] صحيح البخاري ، برقم (597).
[6] سنن أبي داود ،برقم (575) .
[7] أخرجه عبد الرزاق,(3427)، وأحمد (11408)، وأبو داود بلفظ أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ، قال الألباني : صحيح.
[8] المصدر والصفحة السابقان .
[9] صحيح مسلم ، برقم (294 – (832) .
[10] صحيح البخاري ، برقم (587) . عن حمران بن أبان يحدث عن معاوية رضي الله عنه .
[11] صحيح البخاري ، برقم ( 590) ، وانظر فتح الباري (ج2/ص84) .
[12] انظر صحيح البخاري (460) ، (1247)، 1321) .، سنن الدارمي ، برقم (84)، مصنف ابن أبي شيبة ، برقم ( 11839) .
[13] صحيح مسلم ، برقم (49 – (943) .
[14] صحيح البخاري ، برقم (663) ، صحيح مسلم ، رقم (65- (711) . من حديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه .
[15] صحيح البخاري، برقم (931) .

تفريغ الدرس السابع
استثناءات من أوقات النهي
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان [1].
عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ ». رواه الدارقطني ، وصحح ابن خزيمة وغيره وقفه[2].
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْفَجْرُ فَجْرَانِ فَجَرٌ يَحْرُمُ فِيهِ الطَّعَامُ وَيَحِلُّ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَفَجَرٌ يَحْرُمُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَيَحِلُّ فِيهِ الطَّعَامُ» . رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه [3].
وللحاكم من حديث جابر نحوه وزاد في الذي يحرم الطعام : إنه يذهب مستطيراً في الأفق ، وفي الآخر : إنه كذنب السرحان [4].
عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: أفضل الأعمال «الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» . رواه الترمذي والحاكم وصححاه ، وأصله في الصحيحين [5].
1-الحكمة من النهي عن الصلاة في أوقات النهي هي البعد عن مشابهة المشركين ، فهذه لفتة تربوية ، الإسلام يريد من أبنائه تربيتهم على شيئين :
الأول : أن يكونوا موحدين لله في عباداتهم وعاداتهم وأحوالهم وأخلاقهم وجميع شؤونهم ، فتوحيد الله ومراقبته وطاعته وحده هي رسالة الإسلام الأولى .
الثاني : الاستقلال ، فلا يقلدون أحداً ، بل تكن لهم شخصيتهم الإسلامية المستقلة ، وهم الذين يعلمون البشر (لقد أنزلنا إليكم كتابا في ذكركم ) أي عزكم ورفعتكم وتميزكم ، ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونو شهداء على الناس يكون الرسول شهيدا عليكم ).
قال ابن تيمية رحمه الله : الأصل في النهي أنه عند طلوع الشمس وعند غروبها، لكن نهي عن الصلاة بعد الصلاتين سدا للذريعة ، فإن المصلي قد يصلي بعدهما حتى يصلي وقت الطلوع والغروب [6].
2-مضى في الدرس السابق أن هناك مستثنيات من أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة الواردة في حديث أبي سعيد وحديث عقبة ، منها ما رواه الشافعي وغيره (إلا يوم الجمعة) وهو حديث ضعيف كما بين المصنف ، لكن الذين يستثنون يوم الجمعة من النهي عن لصلاة وقت الزوال يستدلون بفعل الصحابة أنهم كانوا يصلون إلى أن يحضر الإمام ، قال ابن خزيمة : بَابُ إِبَاحَةِ مَا أَرَادَ الْمُصَلِّي مِنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ حَظْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ مَا شَاءَ، وَأَرَادَ مِنْ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا صَلَّى قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَتَطَوُّعٌ لَا فَرْضٌ مِنْهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ» ، وَفِي خَبَرِ سَلْمَانَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى» [7].وَفِي خَبَرِ أَبِي أَيُّوبَ: «فَيَرْكَعُ إِنْ بَدَا لَهُ» [8] .
واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية لذلك بفعل الصحابة y أنهم كانوا يصلون ما شاءوا من غير نكير إلى أن يجضر الإمام ، ولهذا قال غير واحد من السلف ، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتبعه عليه الإمام أحمد : خروج الإمام يمنع الصلاة ، وخطبته تمنع الكلام، فجعلوا المانع من الصلاة خرج الإمام لا انتصاف النهار , وفي موطأ مالك : أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ[9].
القول الثاني : أن الجمعة مثل غيرها من الأيام ، لا يجوز التنفل فيها وقت الزوال ، استدلالا بحديث عقبة .
الترجيح : مع هذا الخلاف ، لا ينبغي للإنسان أن يتحرى وقت الزوال أو قريبا منه فيصلي يوم الجمعة ، إلا تحية المسجد ، أما من كان يتم صلاة بدأها قبل الزوال بزمن فلعله له في الصحابة أسوة . والله أعلم[10] .
3-حديث جبير بن مطعم قيل أنّ المستثنى من أوقات النهي ليس ركتي الطواف فحسب ، بل تجوز الصلاة في أي وقت في المسجد الحرام .
والقول الثاني : أن المسجد الحرام كغيره في صلاة النفل المطلق ، لكن هذا الحديث في ركعتي الطواف ، وفي أصحاب السلطة على المسجد الحرام من أن يمنعوا من أراد أن يصلي أو يطوف في المسجد الحرام ، لكن الأوقات التي نهى فيها الشرع عن الصلاة فدليلها آخر وهو دليل ثابت في المسجد الحرام وغيره ، وراوي الحديث جبير بن مطعم من زعماء بني عبد مناف ، فإن أباه الرابع عبد مناف ، كما أنه الجد الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم . وبنو عبد مناف هم القائمون على المسجد الحرام ولهم السلطة أن يمنعوا أو يأذنوا ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يمنعوا .
الطواف ليس صلاة : واستدل أصحاب القول الثاني بهذا الحديث على أن الطواف ليس صلاة ، ولذا جاز في أوقات النهي ، وكانت ركعتا الطواف تبعاً له ، فجاز تبعاً ، عملا بقاعدة (يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً ) [11].
4- حديث ابن عمر صححوا وقفه على ابن عمر رضي الله عنه ، وأنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن إلى معناه ذهب الشافعي ومالك .
القول الثاني: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الشَّفَقُ الْبَيَاضُ وهو الذي يكون بعد اختفاء الحمرة ، َرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فيكون نهاية وقت المغرب عند أبي أبي حنيفة بعد غياب الشفق الأحمر بوقت يسير [12].
والراجح الأول : خاصة إذا صحّ أن البياض الذي يأتي بعد الحمرة يستمر إلى ثلث الليل ، فلا ينبغي أن يكون قول أبي حنيفة حينئذ . الله أعلم [13].
5- حديث ابن عباس رضي الله عنه فيه التحقق من إيقاع صلاة الفجر في وقتها بالتأكد من طلوع الفجر الصادق الذي يذهب مستطيراً في الأفق ولا يكون بعده إلا ازدياد الضياء ، أما الفجر الكاذب فهو مستطيل ، عمودي في الأفق ، وتكون بعده ظلمة .
وفي صحيح مسلم: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلُ هَكَذَا، حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا» وَحَكَاهُ حَمَّادٌ بِيَدَيْهِ، قَالَ: يَعْنِي مُعْتَرِضًا” .
ولفظ مسند الإمام أحمد : ” لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ ” . قال ابن سعدي ، وهو شيخ ابن عثيمين رحمهم الله: الفرق بينهما نصف ساعة . قال ابن عثيمين : يعني أن القجر الكاذب يخرج قبل الصادق بنصف ساعة ، قال : والحكمة من ظهور هذا الفجر الذي نسمية الكاذب ؛ حتى يستعد الإنسان للإمساك في الصيام ، ولصلاة الفجر فيختم صلاة الليل بالوتر الذي يريد أن يختهما به [14].
6- حديث ابن مسعود بهذا اللفظ ، في كلام ابن حجر إشارة إلى أنه شاذ من رواية علي بن حفص ، وهو صدوق من رجال مسلم ، وقد خالف الثقات، وإنما المحفوظ لفظة الصحيحين (علي وقتها) ، لكن سبق في حديث أبي برزة وغيره أن عادة النبي صلى الله عليه وسلم وغالب فعله أن يصلي الصلوات في أول وقتها إلاّ العشاء أحيانا وأحيانا ، وصلى العشاء مرة في نصف الليل [15].
[1] سنن الترمذي ، برقم (868) .
[2] سنن الدارقطني ، برقم (1056) وتمام لفظه : فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ، وقد ضعف رفعه ، صحيح ابن خزيمة ، برقم (354) . وانظر بلوغ المرام تحقيق سمير الزهيري (ص60) .
[3] صحيح ابن خزيمة ، برقم (356) ،
[4] مستدرك الحاكم ، برقم (688).
[5] مستدرك الحاكم ، برقم (677) ، وهذا لفظه ، أما لفظ الترمذي (173) الصلاة على مواقيتها ، وانظر صحيح مسلم برقم (138) ، البخاري برقم (527) .
[6] ابن تيمية : مجموع الفتاوى (23/203).
[7] صحيح البخاري(883) .
[8] صحيح ابن خزيمة (ج2/ص887) – المكتب الإسلامي – الطبعة الثالثة – 2003م .
[9] رواه مالك الموطأ ، برقم (343) ، ابن القيم : زاد المعاد (ج1/367) – مؤسسة الرسالة – الطبعة الأولى – 1996، وانظر ابن عثيمين : فتح ذي الجلال والإكرام (ج2/ص91) .
[10] وانظر ابن عثيمين : فتح ذي الجلال والإكرام (ج2/ص91)
[11] انظر ابن عثيمين : فتح ذي الجلال والأكرام (ج2/ص96) ، جمعة بن خادم العلوي : المسائل الفقهية المعاصرة في الحج والعمرة (ص343) فما بعدها .
[12] انظر الاستذكار لابن عبد البر (ج1/ص70) ، دار الكتب العلمية – بيروت – 2000 .
[13] وانظر ابن عثيمين : فتح ذي الجلال والإكرام (ج2/ص100)
[14] انظر صحيح مسلم (43 – (1094) ، مسند أحمد (20158) ، ابن عثيمين : فتح ذي الجلال والأكرام (ج2/ص105 ، 106) .
[15] انظر ابن حجر : فتح الباري (ج2/ص14) في شرح حديث ابن مسعود رقم (527) .
 
عودة
أعلى