الإبداع القصصي الفصيح من هو المسكين ؟

مكنون

عفا الله عنه وجميع المؤمنين
طاقم الإدارة
يمشي متثاقلاً ، أقدامه لا تكاد ترتفع عن الأرض ، لا بد أن يركب الحافلة المزدحمة ، كما يفعل كل يوم ، قد يجد له كرسيّاً يجلس عليه ، وقد لا يجد ، الطريق يزدحم من حوله بالمارة لكنه يشعر أنه وحده ، لا يسمع غير قرع الأحذية ، لا يرى غير وبيص خافت من خط الدرب الذي يمشي عليه ، وأقدام ترتفع وتنزل مسرعة . مدّ خطاه بتكلّف عساه يسبق إلى موقع انتظار الحافلة ، اختصر الطريق مارّاً على مرمى كناسة ، ثار الذباب في وجهة كأنه يعترض على مروره ، هشّه بيده ومضى .

رغم سرعته المتثاقلة إلاّ أنه وجد المحطة تضج بالمنتظرين ، لاحظ بعض كبار السن ينتظرون الحافلة كذلك ، قرر أن ينظم الصعود إلى الحافلة ، وطلب من الجميع أنه إذا حانت ساعة الركوب فعليهم أن يقدموا كبار السن ، تمصمص بعض المنتظرين ، وأشاح آخرون بوجوههم ، لكن لاح له وبيص الدرب مرة أخرى .

- سوف نكون مثلهم يوماً ما ، سوف نسعد حين يساعدنا المقتدرون ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً . . . اقترب من أحد الكبار ، خيّل إليه أنه أكبر الموجودين سنّاً ، طلب منه أن يتقدم إلى حيث باب الباص ، ليكون أول الصاعدين .

- سوف يدفعونني يا بني

- لا عليك ، أنا سأساعدك

وصلت الحافلة ، حاول هشام التنظيم ، لكن غلبه التيار الجارف ، استطاع أن يقدم الشيخ الكبير بصعوبة ، رأى من بعض الشباب بعض التعاون ، خيّل إليه أن ذلك بعض الوبيص الذي يلوح .

- لا يخلو مجتمع من خير ، قال في نفسه . وأخذ مكانه بين الواقفين .

أوشكت الحافلة أن تتحرك حينما شاهد سائقها فتاة تهرول ، شعرها مكشوف يتطاير ، الكل فسح لها الطريق وهش وبش ، وتمنى أن تجلس بجانبه ليجاذبها أطراف الحديث ، . . أما هشام فلاحظ على لباس الفتاة ، وكشفها شعرها عدة منكرات .

فكّر كيف يتصرف ليلقي على الجميع موعظة في إنكار مثل هذه المنكرات التي يضج بها مجتمعه . . قفزت إلى خياله فكرة ، ووثبت أخرى ، حين تذكر أنه يلبس سروالاً إلى الركبة تحت بنطاله . . .

فجأة جعل يخلع بنطاله الطويل .

صرخوا : ماذا تفعل ؟ . . الشيخ الذي اعتنى به الشاب انفجر باكياً ، . أجننت يا بني ؟ . . أوقف بعضهم صاحب الحافلة ، . . أحضر آخرون طبيباً نفسيّاً كان في الحافلة ، سأله :

- مابك ؟

لاذ بالصمت ، وكثر حوله الهرج .

- قال أحدهم : مجنون .

- قال آخر : اقذفوه من الحافلة ، تخلصوا منه .

- صرخ بهم ، وهم يحتملونه ليرغموه على النزول : " أنكرتم عليّ بهذه الشناعة ، وعورتي مستورة من السرّة إلى الركبة ، ولم تنكروا عليها وكل جسدها عورة ؟

تركوه على قارعة الطريق ترمقه المارة بسياط النظرات ، وتسفعه الرياح بغبارها ، وتطم أذنيه بدويها

- قال أحدهم : مسكين ، ما ضر لو صمت مثلنا

- قال آخر : متى سيجد حافلة أخرى ؟

- قال آخر : كل الحافلات هكذا ! ستحدث نفس المشكلة مع كل الحافلات .

- قال آخر سنجده غدا هاهنا

- قال آخر : بل هي المسكينة ، تجعل من الحافلات أو كار معاصي

- قال آخر : بل نحن المساكين

تلقفها سائق الحافلة وأخذ يرددها : بل نحن المساكين ، بل نحن المساكين .
 
عودة
أعلى