استدعى القائد الصيني أمير قومول المسكين ، وقال له :
- أيها الأمير . . (( لقد عزمت على مصاهرتك أنت بالذات . . ))
شحب وجه الأمير ، وارتعشت أنامله ، وقال بصوت واهن :
- " أنت تعلم أيها القائد أن هذا مستحيل "
قهقه القائد في سخرية :
- " أنا لا أعرف المستحيل أيها الأمير "
- " هذا أمر الله . . "
- " لا دخل للآله في شؤون القلوب . . لقد أحببتها . . "
- " لقد درج الفاتحون على احترام عقيدة أهل البلاد المفتوحة . . "
- " هذه خرافات لا أومن بها "
- " هذا أبشع من الموت أيها القائد "
اكفهر وجه القائد وصرخ :
- " الأمر يخص الأميرة . . . اذهب وأخبرها . . وأمامك بضع ساعات للتصرف . . "
وخرج الأمير التركستاني ، لا يكاد يعي شيئاً مما حوله ، إنها مهانة لا مهانة بعدها ، وبدا القصر لعينيه مقيتاً يوحي بالضيق والعذاب ، كيف يقابل زوجته وأولاده ، لم تعد للحياة قيمة ، أيفر إلى الجبال يقتات الأعشاب ، ويؤانس الوحوش ، حتى لا يرى المأساة بعينيه ؟
ودخل الأمير قصره . . . السيوف الأثرية تتدلى في عناء ، والبنادق الفارعة فوق الجدران كجثث الشياه المتعفنة ، وتاريخ أجداده نائم في أحضان الصفحات المتراصة التي غلفها الغبار . ..
تلفت الأمير الحائر حواليه ، شعر أن الجو حواليه خانق ، يكاد يزهق أنفاسه ، كان يعبث بالفرش إلى جواره في عصبية بالغة :
- " أتوافقين ؟ "
- " الموت ولا هذا ! "
- " لماذا ؟ "
- " أمر الله فوق أمر الصينيين ! "
وقف ، ثم احتضن الأميرة الصغيرة ، عيونها الجميلة توحي بالحيرة القاتلة ، وجهها النضر كالوردة ينطق بالرعب ، ثم شهقت باكية :
- " لا أتصور يا أبي . . . لا أتصور أن تساق فتاة هكذا . . . السير إلى ساحة الإعدام أسهل بكثير . . "
جفف الأمير أهداب ابنته ، وربّت على شعرها الناعم الأشقر ، ثم لامس خذيها الورديتين في حنان ، ثم وقف ودق الأرض بقدمه صارخاً :
- " لن يكون . . . "
* * * *
سرت الأنباء في المدينة مسرى النار في الهشيم ، وتخطّت حواجز القصر المنيف ، وتهامست بها النسوة في المنازل ، وتلقتها الرجال في قلق وغيظ بالغين .. . . .
وعندما قرأ القائد الصيني رسالة الأمير التركستاني . . كورها في يده ، ثم رمى بها ، وبصق عليها .. . ثم اتجه صوبي قائلاً :
- " قل لأميرك : إنه يعبث كما يعبث الصبية . . هذه قوانين (صن يان صن ) أبو الصين الأعظم . . ولن تستطيع قوّة في الأرض أن تبطل قوانينه "
وأٌخذ مولاي الأمير في نفس الليلة إلى السجن . . ليلتها بكت المدينة كما بكت بالأمس على شهداء المعركة ، وليلتها أدرك الناس أن الغزو الصيني يحمل في طياته خطراً آخر غير خطر غزو الأرض . .
* * * *
صورة الأمير السجين تملأ خيالي ، من الصعب أن تتصور الأعزة الكبار يرسفون في الأغلال ، ويساقون كما يساق العبيد ، يا إلهي ، إنه مشهد لا يمكن أن ينسى مدى الحياة ، ومع ذلك فقد كان الأمير يمضي بين الزبانية الصينيين مرفوع الرأس ، يشمخ بأنفه في كبرياء ، كان في صمته ثورة ، وفي استسلامه عاصفة ، وفي نظراته الشاردة نداء دمويٌّ رهيب .
* * * *
قال لي ( خوخة نياز حاجي ) زعيم بلدنا الهمام :
- يا مصطفى . . اذهب إلى أميرك في السجن . . وقل له : يجب أن يبحث عن مخرج
ضحك الأمير ، وشد عوده الفارع ، وتطلع إلى الآفاق بعيني صقر جريح ، وهتف والحنق يأخذ بتلابيبه :
- " لست أملك مفاتيح السجن " !
- " للسجن جدران يا مولاي "
ضحك الأمير في عصبية :
- " وكيف أحطمها وحدي ؟ "
- " يقول لك ( خوخة نياز ) . . إن لم تكن تملك المفاتيح التي تفتح بها السجن ، ولا السواعد التي تهدمه . . فإن لك عقلاً يستطيع أن يحملك على جناحيه إلى الخارج . . "
* * * *
" هناك على التلال يعيش فئة من الرعاة الأبطال ، لم يستطع العدوان أن يقهرهم ، ولم يتزوج نساءهم ، بالقوة . . هؤلاء يشربون ألبان الماعز ، ويغزلون الصوف ، ويعبدون الله الواحد الأحد ، لا يخافون أحداً إلاّ الله . . . . أتدري ؟ هؤلاء هم الملوك غير متوجين . . . ما أشد حنيني إليهم يا مصطفى . . . "
* * * *
- " أيها الأمير . . . أيها السادة . . . يجب أن نوافق القائد الصيني على فكرته "
هاج الحاضرون ، وماجوا ، وبدا عليهم الاشمئزاز والمعارضة الشديدة ، غير أن الأمير ابتسم وقال في هدوء :
- " وأنا أوافق خوخة نياز . . . وسيكون العرس في قصري ، وسيتزوج القائد الصيني ابنتي الغالية . . . سوف نفدي بذلك شعب قومول ، وننجيه من مذبحة لا تبقي ولا تذر . . . "
وصرخ أحد العلماء قائلاً :
- " الله . . . "
ورد الأمير :
- " الله معنا . . ولن يخذلنا . . "
وعاد العالم يقول :
- " وكيف يكون معنا ونحن ندوس شريعته ؟ . . "
وسادت همهمات وغمغمات ، وأخذ الجالسون يتناقشون بصوت خفيض ، وينكبّون على الأمير ، ثم يذهبون إلى خوخة نياز ، ولا تكاد ترى إلاّ شفاههم تتحرك ، وأيديهم تشير ، وعيونهم تتأرجح في حيرة وحذر .
* * * *
- " لن أتزوجه يا أبي . . . كيف أطيعك وأعصي الله . . الله أعز مني ومنك . . "
- " والله يريد ذلك يا ابنتي "
- " لا يريد الله إلاّ الخير "
- " لعل فيما ارتأيناه الخير كل الخير "
وقالت الأميرة وهي تنتحب :
- " الآن أبرأ منك . . . من الملك . . فدعني أرحل . . "
ربّت على شعرها الذهبي وقال :
- " كيف ترحلين وسط الذئاب ؟ "
* * * *
وجاء موكب القائد الصيني ، تصحبه الموسيقى العسكرية ، واللاعبون بالنار ، وبعض الرقصات الشعبية الصينية . وفقراء قومول يبتعدون ويبتعدون عن قلب المدينة . . . يسجدون لله تحت الأشجار خفية ، أو يرتلون الأدعيات على شواطئ الغدران . . !
وشرب القائد الصيني نخب الصداقة العريقة بين الشعب الصيني والشعب التركستاني ، وظل يشرب حتى كاد أن يترنح ثملاً . .
* * * *
تململ خوخة نياز ، واحتقن وجه أحد العلماء ، وأصيب أحد الرجال بالصرع فحملناه خارجا ، وسمعنا صوتاً في جنبات القصر يدوّي " الله أكبر . . الله أكبر . . " قالها أربع مرات ، وفي وقت قصير لمعت السيوف وانطلقت البنادق القديمة ، واندلعت المعركة التي أشعلها رجال الجبل الذين أخذوا يتوافدون من كل ناحية ، ومن الدور الأعلى ، ومن باطن الأرض ، ومن فوق أسوار القصر .
ملاحظة : ( هذا اختصار شديد للفصول الأربعة الأولى لرواية (ليالي تركستان) للأديب الطبيب نجيب الكيلاني رحمه الله) .
تحليـــــــل : إن التاريخ الإسلامي نبع ثر لاستلهام القصة ، سواء القصيرة أم الطويلة , فالقصة هنا حقيقية لكن الحوار ، خلجات النفوس، وصف البيئة والطبيعة ، هي من صنع المؤلف ؛ وإليك الأمثلة التالية :
وخرج الأمير التركستاني ، لا يكاد يعي شيئاً مما حوله ، إنها مهانة لا مهانة بعدها ، وبدا القصر لعينيه مقيتاً يوحي بالضيق والعذاب ، كيف يقابل زوجته وأولاده ، لم تعد للحياة قيمة ، أيفر إلى الجبال يقتات الأعشاب ، ويؤانس الوحوش ، حتى لا يرى المأساة بعينيه ؟
ودخل الأمير قصره . . . السيوف الأثرية تتدلى في عناء ، والبنادق الفارعة فوق الجدران كجثث الشياه المتعفنة ، وتاريخ أجداده نائم في أحضان الصفحات المتراصة التي غلفها الغبار . ..
تلفت الأمير الحائر حواليه ، شعر أن الجو حواليه خانق ، يكاد يزهق أنفاسه ، كان يعبث بالفرش إلى جواره في عصبية بالغة :
إن هذه الفقرة ثرة بخلجات نفسية الأمير ، وهي تصوير رائع ونقل عجيب ، إنه لا يخالجنا أي شك أن الواقع كان كذلك ، فالقصر المقيت هو انعكاس لأثر طلب القائد الصيني يد ابنة الأمير ، والسيوف الأثرية هي مشاعر أخرى تحكي تألم الأمير ولوعته على ذهاب أمجاده ، والجو الخانق هو الآخر عبارة عن مقته لمواجهة ابنته وزوجته بهذا الأمر الخانق الذي يكاد يزهق روحه .
- أيها الأمير . . (( لقد عزمت على مصاهرتك أنت بالذات . . ))
شحب وجه الأمير ، وارتعشت أنامله ، وقال بصوت واهن :
- " أنت تعلم أيها القائد أن هذا مستحيل "
قهقه القائد في سخرية :
- " أنا لا أعرف المستحيل أيها الأمير "
- " هذا أمر الله . . "
- " لا دخل للآله في شؤون القلوب . . لقد أحببتها . . "
- " لقد درج الفاتحون على احترام عقيدة أهل البلاد المفتوحة . . "
- " هذه خرافات لا أومن بها "
- " هذا أبشع من الموت أيها القائد "
اكفهر وجه القائد وصرخ :
- " الأمر يخص الأميرة . . . اذهب وأخبرها . . وأمامك بضع ساعات للتصرف . . "
وخرج الأمير التركستاني ، لا يكاد يعي شيئاً مما حوله ، إنها مهانة لا مهانة بعدها ، وبدا القصر لعينيه مقيتاً يوحي بالضيق والعذاب ، كيف يقابل زوجته وأولاده ، لم تعد للحياة قيمة ، أيفر إلى الجبال يقتات الأعشاب ، ويؤانس الوحوش ، حتى لا يرى المأساة بعينيه ؟
ودخل الأمير قصره . . . السيوف الأثرية تتدلى في عناء ، والبنادق الفارعة فوق الجدران كجثث الشياه المتعفنة ، وتاريخ أجداده نائم في أحضان الصفحات المتراصة التي غلفها الغبار . ..
تلفت الأمير الحائر حواليه ، شعر أن الجو حواليه خانق ، يكاد يزهق أنفاسه ، كان يعبث بالفرش إلى جواره في عصبية بالغة :
- " أتوافقين ؟ "
- " الموت ولا هذا ! "
- " لماذا ؟ "
- " أمر الله فوق أمر الصينيين ! "
وقف ، ثم احتضن الأميرة الصغيرة ، عيونها الجميلة توحي بالحيرة القاتلة ، وجهها النضر كالوردة ينطق بالرعب ، ثم شهقت باكية :
- " لا أتصور يا أبي . . . لا أتصور أن تساق فتاة هكذا . . . السير إلى ساحة الإعدام أسهل بكثير . . "
جفف الأمير أهداب ابنته ، وربّت على شعرها الناعم الأشقر ، ثم لامس خذيها الورديتين في حنان ، ثم وقف ودق الأرض بقدمه صارخاً :
- " لن يكون . . . "
* * * *
سرت الأنباء في المدينة مسرى النار في الهشيم ، وتخطّت حواجز القصر المنيف ، وتهامست بها النسوة في المنازل ، وتلقتها الرجال في قلق وغيظ بالغين .. . . .
وعندما قرأ القائد الصيني رسالة الأمير التركستاني . . كورها في يده ، ثم رمى بها ، وبصق عليها .. . ثم اتجه صوبي قائلاً :
- " قل لأميرك : إنه يعبث كما يعبث الصبية . . هذه قوانين (صن يان صن ) أبو الصين الأعظم . . ولن تستطيع قوّة في الأرض أن تبطل قوانينه "
وأٌخذ مولاي الأمير في نفس الليلة إلى السجن . . ليلتها بكت المدينة كما بكت بالأمس على شهداء المعركة ، وليلتها أدرك الناس أن الغزو الصيني يحمل في طياته خطراً آخر غير خطر غزو الأرض . .
* * * *
صورة الأمير السجين تملأ خيالي ، من الصعب أن تتصور الأعزة الكبار يرسفون في الأغلال ، ويساقون كما يساق العبيد ، يا إلهي ، إنه مشهد لا يمكن أن ينسى مدى الحياة ، ومع ذلك فقد كان الأمير يمضي بين الزبانية الصينيين مرفوع الرأس ، يشمخ بأنفه في كبرياء ، كان في صمته ثورة ، وفي استسلامه عاصفة ، وفي نظراته الشاردة نداء دمويٌّ رهيب .
* * * *
قال لي ( خوخة نياز حاجي ) زعيم بلدنا الهمام :
- يا مصطفى . . اذهب إلى أميرك في السجن . . وقل له : يجب أن يبحث عن مخرج
ضحك الأمير ، وشد عوده الفارع ، وتطلع إلى الآفاق بعيني صقر جريح ، وهتف والحنق يأخذ بتلابيبه :
- " لست أملك مفاتيح السجن " !
- " للسجن جدران يا مولاي "
ضحك الأمير في عصبية :
- " وكيف أحطمها وحدي ؟ "
- " يقول لك ( خوخة نياز ) . . إن لم تكن تملك المفاتيح التي تفتح بها السجن ، ولا السواعد التي تهدمه . . فإن لك عقلاً يستطيع أن يحملك على جناحيه إلى الخارج . . "
* * * *
" هناك على التلال يعيش فئة من الرعاة الأبطال ، لم يستطع العدوان أن يقهرهم ، ولم يتزوج نساءهم ، بالقوة . . هؤلاء يشربون ألبان الماعز ، ويغزلون الصوف ، ويعبدون الله الواحد الأحد ، لا يخافون أحداً إلاّ الله . . . . أتدري ؟ هؤلاء هم الملوك غير متوجين . . . ما أشد حنيني إليهم يا مصطفى . . . "
* * * *
- " أيها الأمير . . . أيها السادة . . . يجب أن نوافق القائد الصيني على فكرته "
هاج الحاضرون ، وماجوا ، وبدا عليهم الاشمئزاز والمعارضة الشديدة ، غير أن الأمير ابتسم وقال في هدوء :
- " وأنا أوافق خوخة نياز . . . وسيكون العرس في قصري ، وسيتزوج القائد الصيني ابنتي الغالية . . . سوف نفدي بذلك شعب قومول ، وننجيه من مذبحة لا تبقي ولا تذر . . . "
وصرخ أحد العلماء قائلاً :
- " الله . . . "
ورد الأمير :
- " الله معنا . . ولن يخذلنا . . "
وعاد العالم يقول :
- " وكيف يكون معنا ونحن ندوس شريعته ؟ . . "
وسادت همهمات وغمغمات ، وأخذ الجالسون يتناقشون بصوت خفيض ، وينكبّون على الأمير ، ثم يذهبون إلى خوخة نياز ، ولا تكاد ترى إلاّ شفاههم تتحرك ، وأيديهم تشير ، وعيونهم تتأرجح في حيرة وحذر .
* * * *
- " لن أتزوجه يا أبي . . . كيف أطيعك وأعصي الله . . الله أعز مني ومنك . . "
- " والله يريد ذلك يا ابنتي "
- " لا يريد الله إلاّ الخير "
- " لعل فيما ارتأيناه الخير كل الخير "
وقالت الأميرة وهي تنتحب :
- " الآن أبرأ منك . . . من الملك . . فدعني أرحل . . "
ربّت على شعرها الذهبي وقال :
- " كيف ترحلين وسط الذئاب ؟ "
* * * *
وجاء موكب القائد الصيني ، تصحبه الموسيقى العسكرية ، واللاعبون بالنار ، وبعض الرقصات الشعبية الصينية . وفقراء قومول يبتعدون ويبتعدون عن قلب المدينة . . . يسجدون لله تحت الأشجار خفية ، أو يرتلون الأدعيات على شواطئ الغدران . . !
وشرب القائد الصيني نخب الصداقة العريقة بين الشعب الصيني والشعب التركستاني ، وظل يشرب حتى كاد أن يترنح ثملاً . .
* * * *
تململ خوخة نياز ، واحتقن وجه أحد العلماء ، وأصيب أحد الرجال بالصرع فحملناه خارجا ، وسمعنا صوتاً في جنبات القصر يدوّي " الله أكبر . . الله أكبر . . " قالها أربع مرات ، وفي وقت قصير لمعت السيوف وانطلقت البنادق القديمة ، واندلعت المعركة التي أشعلها رجال الجبل الذين أخذوا يتوافدون من كل ناحية ، ومن الدور الأعلى ، ومن باطن الأرض ، ومن فوق أسوار القصر .
ملاحظة : ( هذا اختصار شديد للفصول الأربعة الأولى لرواية (ليالي تركستان) للأديب الطبيب نجيب الكيلاني رحمه الله) .
تحليـــــــل : إن التاريخ الإسلامي نبع ثر لاستلهام القصة ، سواء القصيرة أم الطويلة , فالقصة هنا حقيقية لكن الحوار ، خلجات النفوس، وصف البيئة والطبيعة ، هي من صنع المؤلف ؛ وإليك الأمثلة التالية :
وخرج الأمير التركستاني ، لا يكاد يعي شيئاً مما حوله ، إنها مهانة لا مهانة بعدها ، وبدا القصر لعينيه مقيتاً يوحي بالضيق والعذاب ، كيف يقابل زوجته وأولاده ، لم تعد للحياة قيمة ، أيفر إلى الجبال يقتات الأعشاب ، ويؤانس الوحوش ، حتى لا يرى المأساة بعينيه ؟
ودخل الأمير قصره . . . السيوف الأثرية تتدلى في عناء ، والبنادق الفارعة فوق الجدران كجثث الشياه المتعفنة ، وتاريخ أجداده نائم في أحضان الصفحات المتراصة التي غلفها الغبار . ..
تلفت الأمير الحائر حواليه ، شعر أن الجو حواليه خانق ، يكاد يزهق أنفاسه ، كان يعبث بالفرش إلى جواره في عصبية بالغة :
إن هذه الفقرة ثرة بخلجات نفسية الأمير ، وهي تصوير رائع ونقل عجيب ، إنه لا يخالجنا أي شك أن الواقع كان كذلك ، فالقصر المقيت هو انعكاس لأثر طلب القائد الصيني يد ابنة الأمير ، والسيوف الأثرية هي مشاعر أخرى تحكي تألم الأمير ولوعته على ذهاب أمجاده ، والجو الخانق هو الآخر عبارة عن مقته لمواجهة ابنته وزوجته بهذا الأمر الخانق الذي يكاد يزهق روحه .