الإبداع القصصي الفصيح وا أسفا . . . على يوسف

مكنون

عفا الله عنه وجميع المؤمنين
طاقم الإدارة
لم تبيض عيني لفقده كما ابيضّت عينا نبي الله يعقوب لفقد ابنه نبي الله يوسف عليهما السلام ، ولكن حزني على الشيخ عبدالله إسلام كان شديداً ، بل ربما كان حزني الأشد على تقصيري في حقه ، حق أخوة الإسلام ، وعدم متابعة أخباره ، وأخذ عنوانه .

كان شيخا مسنا ، يمشي على عكازة ، لكنه كان يفوح حيوية ، وحبّاً واعتزازاً بالإسلام وأهله ، كان أمريكيّاً مسلماً ، ظهر في المركز الإسلامي فجأة ، واختفى فجأة .

تعرفت عليه بعد أن قام مرة بعد صلاة الظهر ، وذكر قصة إسلامه العجيبة ، دون أن يطلب منه أحد ،

قال : " كنت في إحدى الدول الإسلامية ، أخدم في الجيش الأمريكي ، جيش دولته ، حين أصبت بمرض خطير ، طفقت أبحث عن علاج فلم أجد من يساعدني ، ولا من يعالجني ، توجهت إلى الإرساليات ، فلم يعطوني فلساً " ، لا أزال أذكر نص كلمته ( They didn't give me a penny) ،

قال :" ولم أزل أهيم على وجهي بحثاً عن العلاج والمساعدة حتى قادتني خطواتي إلى بناء رائع ، توجّهت إليه ظانّاً أنّه كنيسة ، دخلته ، وأخبرت من وجدتهم فيه عن مرضي وحاجتي للمساعدة ، فأخذوني إلى مستشفىً لهم ، ولم يخرجوني منه إلاّ وقد شفاني الله تماماً ، بل كانوا خلال تمريضي يحيطوني بأخوّة عجيبة ، وحين ودعتهم وهممتُ بالخروج ، سألتهم : كم تطلبون مني أن أدفع مقابل علاجي ؟ قالوا : لا نطالبك بشيء ، أنت أخونا (You owe us nothing , you are our brother ) ، بكيت لروعة جوابهم ، وسألتهم : لماذا ؟ فأخبروني أنهم مسلمون ، وشرحوا لي الإسلام ، هذا الدين العظيم ، ويومها دخلت في دين الله ، دين السعداء " .

كنت أفرح كلما رأيته يدخل المسجد ، كنت أعرف صوت قرع عكازته على أرض المسجد قبل أن أراه ، وكان يأتي المسجد لبعض الدروس ، ولصلاة الجمعة ، استمر على ذلك زمناً ، وأنا لا أزيد على السلام عليه ، أما هو فكان يداعبني ببعض الكلمات كلما لقيني ، شعرت أنه يبادلني الحب ، بل كان يملأ قبله بحب كل المسلمين .

وبعد مدة افتقدته ، لم يعد يأتي للمسجد، لم أعد أسمع كلمات المداعبة العذبة ، ولا دقات العكاز المعبرة عن سرورة وحبه للمسلمين ، كنت أتحين قدومه، أجلس الساعات الطوال، الساعات التي عوّدنا أن يأتي فيها دون جدوى، لا أدري هل عانيت حر فقده وحدي أو افتقده الجميع ، مضت سنة ، كدتُ أفقد الأمل . . . وذات يوم ظهر لي فجأة ، نعم ظهر لي فجأة متجهاً إلى المسجد في وقت غير ذي صلاة ، نفس العكّاز ، ونفس المشية، ونفس الابتسامة العريضة ونفس كلمات المداعبة ، فرحت، عانقته، وجلجلت ضحكاتنا فرحا، صحبته إلى المسجد،

- كيف الحال ؟. . . أين كنت ؟ ما سبب انقطاعك ؟ الكل متلهف لرؤياك !

- أخبرني أنه نقل من مكان إيوائه القريب ، وأن مكانه الجديد بعيد ، وأنه يعاني من بعض الأمراض ، لا يستطيع أن يأتي للمسجد رغم اشتياقه إلى رؤية المسلمين ، أخبرته عن قلقي لفقده ، وطلبت منه أن أوصله أنا بسيّارتي هذه المرة إلى بيته ، لأعرف عنوانه .

وفي صلاة العصر أعلنت للمصلين أني وجدت الشيخ ( عبدالله إسلام ) ، فرح الجميع . . .هللوا ، وكبروا فرحاً ، وشكلنا فريقاً لزيارته . كان ذلك قبل انتهاء برنامج دراستي في تلك المدينة بأيام ، وبعد عودتي إلى بلدي سمعت أن أحبابه ، روّاد المسجد ، نقلوه وأسكنوه جاراً لهم ، وأخذوا يخدمونه بأعينهم ، وكانوا عند راسه يوم فارق الحياة الدنيا ، فأودعوه في مقبرتهم جاراً للمسلين . يرحمه الله .
 
عودة
أعلى