الإبداع القصصي الفصيح عثمان خضر هذا الزمان

مكنون

عفا الله عنه وجميع المؤمنين
طاقم الإدارة
في صفاء مفعم بهدوء نرجسي ، وبعد صلاة المغرب ، تغير المكان من حولي، أحسست أن طارئاً سيطرأ أو حادثاً سيحدث ، أو واقعة ستظهر . . . أحسست ذلك في وجوه الناس ، وتلمسته جلياً في تصرفات حكيم هذا الزمان المدعو عثمان، استوقفته وسألته :
-ما الذي يحدث ؟ ،
لم يعرني عثمان أي انتباه ، واكتفى بقوله :
- رمضان . . رمضان .
- ما به رمضان يا عثمان . . . .
نظر إلي باستغراب ثم قال :
- إذن ، أنت لا تعرف النظام بعد رمضان . . .
- قلت : لا . . . سكت برهة . . وجه إلى نظرة استغراب أخرى ، فهم أني لم أفهم ، وقال لي :
- هيا معي ، ولكني أحذرك أنك لن تستطيع معي صبرا !
هذه كلمات عثمان ، وليس ذلك بغريب ، فهو يظن أنه خضر هذا الزمان .
شرط علي عثمان ألاّ أسأله عن شيء حتى يحدث لي من الأمر خبرا .
فقلت في نفي : لا خيار لدي ، سأتحمل حماقة عثمان ، لعلي أجد خبر هذا الزمان . . . فأجبته : لك ما شرطّ
اصطحبني عثمان ، وهو على مضض ، يستثقلني تارة ، ويتفلسف عليّ تارة أخرى ، وكأنه يريد أن يسحب ما قاله في بداية الكلام ، أو يصرفني عنه لأني بنظره سأكثر عليه السؤال .
ارتفع صوت الأذان ، وحان وقت العشاء ، فخنس عثمان عن طريق مسجد ضخم تعلوه منارتان عظيمتان ، يخرج منهما صوت ندي يعلن حلول وقت الصلاة .
استوقفت عثمان ، وقلت له : قد حان وقت الصلاة ، ولعلها تكون آخر تراويح هذا الرمضان . فاشتاط عثمان غضباً ، ونظر إلي وكأنني هاجمته ونقدته ، وسفهت رأيه ، وقال لي :
- ألم أقل لك أنك لن تستطيع معي صبرا .
استدركت الموقف ، وقلت لنفسي : لعل عثمان لديه من الفقه ما يسمح له بتأجيل الصلاة في هذا الوقت . .
- آسف يا عثمان ، لن أكرر ذلك مرة أخرى . . . سأذهب لأداء الصلاة ، ثم سنلتقي . . فأجاب :
- نعم ، ستجدني في شقائق النعمان .. . . .
دخلت المسجد ، وصليت العشاء ، وأتبعها الإمام بصلاة التراويح ، كنت أسبح مع المصلين في نور من الإيمان ، ذكرت الله ودعوته ، ثم توجهت إلى شقائق النعمان . . فإذا بعثمان يجلس وعن جانبيه مجموعة من الصبيان ، يحدثهم ويقص عليهم وكأنه حكيم من حكماء هذا الزمان . . . اقتربت من الصبيان ، فإذا بطفل يقف ويسأل الحكيم عثمان :
- ما الفرق يا أستاذ بين ذكر وأنثى الثعبان ؟
تغير وجه عثمان ، أخذ جهله يصفعه حتى احمرت وجنتيه ، نظر إليّ ، ثم انتفظ وقال :
هذا سؤال سهل : إذا قلنا : لدغ الرجل ثعبان ، فالثعبان ذكر ، وإذا قلنا لدغت الرجل ثعبان ، فالثعبان أنثى .
صفّق الجيمع وابتهج الأطفال ، فسارعت إلى عثمان ، وقلت له :
- كيف تجيب مثل هذه الإجابة ، ألا تخاف الرحمن في هؤلاء الصبيان ؟ . . التفت إلي وقال :
- ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا .
صمت ، وقلت في نفسي : هذه الثانية
مشى عثمان ، كعادته ، وأنا خلفه حتى إذا وصلنا إلى أطراف السوق ، فإذا بعثمان يشعل سيجارة .!. أخذ يدخن ، وأنا تفتّني الحيرة . . . التفت إليه وقلت :
- ماذا تفعل يا عثمان ، ألا تعلم أن الدخان حرام في الإسلام .
- قال عثمان : ( أووووووه ) هذا فراق بيني وبينك ، سأنبئـُـك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا .
أما تركي للصلات ، فإن رمضان قد انتهى .
أما إجابتي للصبيان ، فمَن المعلم الذي يحضر في رمضان ؟.
وأما شربي الدخان ، فقد تحملت طوال رمضان ، وجاء عيد الفطر الذي يشترك في خرابه الإنس والجان .

بقلم : ماجد بن حمد العلوي
 
عودة
أعلى