الإبداع القصصي الفصيح ما فيه أحد ؟

مكنون

عفا الله عنه وجميع المؤمنين
طاقم الإدارة
- ما فيه أحد ؟
كان الجو متوتراً ، وكانت تجلس في قبالتي طفلة لا أحسبها تجاوزها ربيعها العاشر ، لم تتعود على سدل الخمار على وجهها بعد ، أو لعلها من قوم لا يسدلون الخمار ، تجلس أمام رجل ، اتضح لي فيما بعد أنه زوجها .
يدور بينهما حوار هاديء ، لا تشنج فيه ، لا رفع أصوات ، لا يفهم منه التوتر إلا حينما تطلق هى استغاثاتها بين الفينة والأخرى :
- ما فيه أحد ؟
لم أكن وحدي أشهد ذلك المشهد ، والذي أشبه ما يمكن أن يوصف بأنه محاولة انشقاق وتصدع في جدار أسرة تتكون من ذينك الشخصين ، بل كان في الجهة المقابلة ما يقارب العشرة رجال ، ماضون في حالهم ، لا يبدوا عليهم الاكتراث بما شد انتباهي من هذا الرجل وامرأته الصغيرة جداً .
- " لو كان الأمر يحتاج إلى تدخل لكفانيه أولئك الرجال ، أو على الأقل لأولوه شيئاً من الاهتمام " ، قلت في نفسي .
- " ما فيه أحد ؟ " .
قالتها هذه المرة بصوت أعلى والتفتت إليّ .
كسرت حاجز ترددي هذه المرة . . اقتربت من الرجل ، وابتعدت الفتاة ، سألته عن سبب اصراره على طلاقها ، وفهمت منه أنه لا يجدها في منزلهما في بعض الأوقات ،
لكنّه أردف أنّه خوفها بسورة (ق) ، وسورة (الذاريات) ، وسورة (الطور) .
قفّ شعر رأسي ، وشعر جلدي ، وتصمّخت كل شراييني ، لم يحضرني من هذه السور أكثر مما فيهما من الترغيب في الجنة والتخويف من النار .
- اصبر عليها ، قلت له ناصحاً .
هزّ رأسه بالإيجاب . . . .
حدّثته هنيهة عن حقوقه عليها ، وحقوقها عليه ، وعن طبيعة النساء ،
حدّقت في وجهه ، ففهمت منه الانشراح ، فحمدت الله .
ما أسهل الإصلاح بين الناس .
ثم بدأت أكتب تفاصيل قصتهما وأنا لا أزال غارقاً في رؤياي وحلمي ، وها أنا ذا أكملها في اليقظة ، دون أن أعرف لها تأويلاً.
 
عودة
أعلى