الإبداع القصصي الفصيح جفري لانج

مكنون

عفا الله عنه وجميع المؤمنين
طاقم الإدارة
كيف أسلمت ؟

نشأت في أسرة نصرانية ، غير أني حينما صلب عودي أصبحت ملحداً ، أنهيت دراستي الثانوية والجامعية ، وأكملت الماجستر والدكتوراة في الرياضيات ، ولم أر في النصرانية ولا اليهودية ما يبعث على الاهتمام ، وحينما أنهيت الدكتوراة صرت أتساءل : هل يكفي هذا ، هل أنا أعيش من أجل نيل هذه الشهادة ، ماذا بعدها ، وحينما أصبحت أستاذاً محاضراً في إحدى الجامعات كان من طلابي شببة مسلمون ثلاثة ، أحدهم أكثر حماساً لدينه من الباقيين ، دعوني مرة للغداء ، وحينما ودعوني أهدوني القرآن ، نسخة مترجمة باللغة الإنجليزية من القرآن ، ففهمت أنها من الأكثر حماساً .
وذات يوم أخذت أتصفح هذه النسخة ، فشدني القرآن المترجم ، وأخذت أقرأ ، وأقرأ .
أنهيت قراءة القرآن في ثلاث سنوات ، وقد أمهلني ربي هذه السنوات الثلاث كلها ، عشت فيها مع القرآن ، فوجدته يتعامل مع قارئه على أنه أحد شخصين ؛ إما أنه مؤمن به ، فهذا يجد القرآن صديقاً حميماً ، يحنو عليه ، ويقربه ويدنيه ، ويبشره ، ويشجعه ، ويمنيه ، ويرغبه.
النوع الثاني غير المؤمن به ، وهذا يعلن القرآن العداء معه من أول لحظه، يحاوره ، ويتحداه ، ويجابهه بالحقائق التي تصدع أركانه ( ) ، ويسخر منه سخرية مؤلمة، ويهدده ، ويتوعده ، ويحصره في زاوية ضيقة ، ويجد نفسه في أحيان كثيرة يعيش ما توعده به القرآن يصرخ في النار ، ويناله لهيبها ، ويتبدل جلده .
كنت أنا هذا النوع الثاني ، لذلك أخذ علي إكماله طول هذه المدة ، كما أني وجدت فيه النصرانية الصحيحة واليهودية السليمة اللتان يستحقان الاهتمام ، وذات يوم دخلت المسجد ، كان يوم جمعة ، أول مرة في حياتي أدخل المسجد ، لم أكن ذاهباً لأسلم ، دخلت ، وأول ما لفت انتباهي أن الثمانين رجل الذين فيه جنسياتهم مختلفة ، إذ هم من أكثر من عشرين دولة ، ولكن تشرق في وجوهم روح المحبة لبعضهم ، وتترقرق بينهم عبارات الأخوة ، وتغشاهم السكينة ، وتنزل عليهم الرحمة ، وبعد الصلاة جلست مع الإمام وبعض المسلمين ، وتبادلنا أطراف الحديث ، أخبرتهم أنني لست من المسلمين ، فحدثوني عن دينهم الذي عرفته من القرآن ، وعرضوا علي الإسلام .
شعرت أنهم يتدخلون في شؤون حياتي الخاصة، وهذا طبعنا نحن الغرب ، لا نسمح لأحد أن يتدخل في خصوصياتنا ، فصمتّ طويلاً ، كانت لحظة المواجهة مع نفسي .
قلت لنفسي : وماذا لو دخلت في هذا الدين العظيم .
قالت لي نفسي والشيطان : وماذا عن أصحابك الدكاترة ، وماذا عن أسرتك ، سيسفّهون أحلامك ، يا دكتور ، وماذا عن ملذاتك ، . . .
وجلست أحاور نفسي ، وعشت في دوامة، وكدت أن أقول لا .
لكن الله أنقذني بأن ذكرني وصية لأمي ؛ كانت تقول لي في صغري : يا بني : إذا اقتنعت بشيء فامض ولا تأبه لملامة الناس .
عدت إليهم من صمتي الطويل وقلت : نعم أقبل أن أكون مسلماً ، فكيف أكون مسلماً ؟
ظننتهم سيأمرونني بالاستعداد لاحتفال عظيم ، لأنه يوم تغير حياتي ، لكنهم فقط قالوا لي :
قل : أشهد لا إله إلاّ الله ، وأن محمداً رسول الله .
وحينما قلتها شعرت ببرودة عجيبة وراحة رائعة في صدري ، شعرت كأن كابوساً خرج من صدري ، وانطلقت في نوبة من البكاء .
كانت المرة الأولى التي أذوق فيها طعم السعادة الحقيقية ، وتعجبت لماذا لا يبكي كل واحد منهم مثلي ، وهم يجدون الذي أجد من السعادة ، وزوجونو امرأة منهم.

* * * * * *

كان الناس يسألونني : كيف أسلمت ، فأجيبهم بمحاضرة ، وحينما ذهبت للحج كان السؤال يتكرر كثيراً من كل من يرى بشرتي الشقراء ، ويعرف أنني أمريكي . فاختصرت الجواب إلى ربع ساعة ثم إلى عشر دقائق ثم إلى خمس ، ثم إلى كلمات معدودة.
وحينما كنت عائداً من عرفة ركبت في مؤخرة الباص لأعتزل الناس ، وأبتعد عن هذا السؤال ، وملت برأسي إلى جانت الباص وأغمضت عيني محاولاً النوم .
فسمعت أحدهم يسألني نفس السؤال : من أين أنت ، وكيف أسلمت ؟
فتحت عيني متثاقلاً ، فإذا هو بنجالي ، فأجبته باختصار وعيناي مغمضتان ورأسي في حالة نوم : (أنا أمريكي ، كنت ملحداً ثم أسلمت )، وفتحت عيني أسارقه النظر ، فرأيته يبكي متأثراً بهذه القصة المختصرة السريعة ، فاستحييت ، واعتذرت ، وقلت له :
أنا أخوك جيفري لانج ، من أمريكا ، دكتور في الرياضيارت ، هداني الله بعد أن أصبحت دكتوراً ، وذكرت له بقية القصة بكل تفاصيلها .
 
عودة
أعلى