الإبداع الشعري الفصيح المأساة

مكنون

عفا الله عنه وجميع المؤمنين
طاقم الإدارة
استيقظ الصغير على جلجلة التركتر ، السيارة التي تخدّ الأرض ، كان الصوت مزعجاً حقاً ، وكان الصغير قد تجاوز سنته الثانية بنيف من الأشهر ، ولشدة حبه للاستطلاع هرع ليشاهد مصدر الإزعاج قبل أن يغسل وجهه . وإذ بآلة صفراء كبيرة ، تشبه لعبته ، لها خرطوم طويل يشبه يد الإنسان ، ولها أصابع تشبه أصابع الإنسان .

لاحظ الصغير يد هذه الحفارة تنزل إلى الأرض وتأخذ كفّاً من التراب ، وترفعه ، وكان يتكرر ذلك منها ، تأمل الصغير هذا المنظر طويلاً ، ثم لاحت على عقله فكرة ، ظن نفسه بها أنه استوعب ما يراه ، فهرول مسرعاً إلى أمه

– " أماه ، أماه . . الكلينة تأكل تلاب ".

تبسمت أمّه ، وخطر على بالها أيام كانت تنهى أخته الصغرى عن أكل التراب واللعب به ، ضمته ، وحملته لتغسل التراب عن شعر رأسه وعن وجهه ، ثم أرسلته . أما هو فاستاء من عدم تفاعلها مع الخبر

هرع الصغير إلى أبيه .. . " بابا ، بابا . . الكلينة تأكل التلاب ، تعال تسوف " .

ابتسم أبوه كذلك ، لكن الصغير ظل حائراً مستغرباً ، لم لم يهرع أبوه وأمه ليشاهدوا الكرينة التي تأكل التراب .

خرج الصغير ليشاهد الكرينة مرة أخرى ، ويتأكد ، ثم دخل ، وأحضر كرينته الصغيره ، وضعها أمام الكرينة الكبيرة ، توسل إليها أن تتحرك كما تتحرك شبيهتها ، فلما استئس جعل يحركها بيده ، ويأخذ بكفها كفاً من التراب ويرفعه ، ظل على هذه الحال إلى الظهر ، والأطفال ينقلون نظراتهم بين كرينتة الصغيرة والكرينة الكبيره ، حتى صاروا جميعاً شواخص بيضاء من الغبار المتطاير .

وحينما أخلد الصغير إلى النوم في المساء شاهد نفس الكرينة تأكل التراب ، لكن شاهد كرينته الصغيرة تأكل معها ، وتسابقها في أكل التراب ، وإثارة الغبار ، وهو يبسم مثل بسمة أبيه وبسمة أمه ، واستيقظ ، وأخذ يحكي لأمه أن كرينته أكلت التراب مع الكرينة الكبيرة ، وأنها أكلت أكثر منها

وحينما ذهب الصغير إلى بيت جدته ، شاهد على التلفاز نفس المنظر ؛ السيارة التي تشبه لعبته ، ونفس الخرطوم الطويل ، ونفس الأصابع ، لكن كرينته الصغيرة ليست معها ، كما شاهد فرقاً آخر على كرينة التلفاز ، شاهدها تأكل البيوت ، وتبتلع المنازل ، وتقتلع الأشجار ، وتهدم العمران فوق أهله .

هرع إلى أمه ليخبرها ، لكن كلماته الرائعة هذه المرة ظلّت حائرة على شفتيه، حينما شاهد دمعتين تتحدران على وجنتي أمه .


لا تعذليني إن عرفت شكاتي وقرأت أسئلتي على نظراتي

لا تعذليني ، لم أكن يوماً أنا نزق الهموم وصانع النكبات

لا تعذلي قلمي يلوّن صفحتي ولتقرأي المأسات في ممحاتي

أنا إن خططت وإن محوت فهاهنا ما يرسم الأعداء في أبياتي

بالأمس كان هنا لنا بيت وكــــــــــــــــــان السعد يرمقنا على الصعدات

أنا هاهنا بين الأحبة ملعبــي وتقافزي ، وتسلقي شجراتي

حاولت أن ألقى له أثراً ، ألا طلل تيقظ من جميل سبات

مسحت مآثرنا فلا وطــــن أرى ورصاص قنصهم أبان حماتي

وجدار خوفهم يمزعنا ، وحقـــــــــــــــــــــــــــدهم يفور دماً لنباطاتي

أنا إن رسمت فما رسمت خرائطاً باسم الطريق زعافهنّ مماتي

بل هذه الألوان حيث تزخرفت أطيار أحلامي على صفحاتي

أمّاه ، هاتي دمعتيك أحليلها حباً أصوغ بها هنا كلماتي

هاتيهما ، نوراً يضيء طريقنا للعود للفتح القريب الآتي

هاتيهما عن أمة المليار ، لــــــو هطلت مآقيها فويح عـــــدتي
 
عودة
أعلى